(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)
ليس عجبا أن أول غزوة يتحدث عنها تفصيلا حسب ترتيب قراءة المصحف غزوة أحد ذلك لأنها تمثل الواقع بكل أبعاده الإيمانية، والنفسية، والعسكرية، في الأفراد والجماعة، حال الانتصار وإذا تحولت النتائج، بل والظاهر والخفي في النفس البشرية، إن غزوة أحد تبين لنا الابتلاء ببعديه التمكين والهزيمة، وتبين لنا حقائق الشورى وواقع العزم على الفعل وعدم التردد بعده، وتكشف لنا نماذج من الرجال هم من يتطلع للتأسي بأمثالهم، وتكشف لنا كذلك من النفاق أفعال المنافقين، وتصرفات المنهزمين، وأحوال المؤمنين الذين كادوا أن يوردوا موارد الهلاك لولا لطف الله بهم.
إن للأفراد حقوق وكذلك للقيادة وعلي كلا منهما واجبات، وإذا تميز أهل الإيمان بالطاعة المنضبطة حلت لهم البركات وسيقت لهم الخيرات، فالطاعة عز يعتز به أهل الإيمان متى كان ذلك في سبيل الله ولا يمنع من حق ولا يدعو إلى باطل، إن الطاعة في السراء والضراء وفي العسر واليسر كانت أساس البيعة في العقبة وفي غيرها من البيعات، بيعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم على المعروف، وكذلك بيعة النساء في سورة الممتحنة جاءت تحوي هذا الخير وترفعه وتدعوا إليه.
إن الطاعة القلبية قبل العضوية الجسمانية هي الحقيقة التي نسعى إليها، وهي العلاقة التي نتمنى أن تكون بيننا وبين هذا الدين في شموله وعالميته وواقعيته، بفهم نقي يدرك حقيقته ومقاصده ولا يفرط في جزئيات فضلا عن كلياته.
لقد أدركنا من قبل صفات اليهود القائلين لله سبحانه وتعالى: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) [البقرة:93]، وعلمنا من خلال خواتيم سورة البقرة حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نسير على دربهم ولا نأخذ بأسلوبهم فعلمنا أن نقول: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285].
إن دروس غزوة أحد كثيرة وعبرها عميقة، عميقة في بيان النفس البشرية وأبعادها، دقيقة في إرشاد المجتمع المسلم وهو في طور التأسيس إلى ما قد يواجه وما يجب أن يحاذر، وسوف نأخذ مشهداً من مشاهد هذه الغزوة نلتقط منه الدروس والعبر.
قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 152].
ولقد سبق هذه الآية آيات وتلتها آيات أخرى حول نفس الغزوة.
ملخص سريع لأحداث غزوة أحد: