وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران: 123-125]، وعد قد تحقق في بدر، وقد تحقق أيضا في أحد رغم رجوع المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بما يوازي ثلث الجيش، ورغم ما كان من بني سلمة، وبني الحارث، لولا فضل الله، ومع ذلك حدث النصر حين تحقق مراد الله من بذل الجهد والطاعة: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 152].
روى الإمام البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: «فَلَمَّا لَقِينَا المشركين هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ- النساء المشركات- يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ»( جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: غزوة أحد، رقم (4043)).
2- لنتفهم قوله تعالى بعد ذلك (مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 152]. إنه النصر المحبب للنفوس والمركوز في طباعها، نصر للدعوة على من تجمع لمحاربتها وخرج من أجل إهلاك أهلها، والنصر محبب للنفوس رغم ما في ذلك من تضحيات.
3- قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) إنها قصة الرماة، الذين أوصاهم الرسول بوصية جامعة هي عدم النزول من على الجبل مهما كانت الأحداث وقد ورد هذا الأمر بصيغ كثيرة تؤدي إلى ذات المعنى: «لاَ تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا»، «فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ»، «انضحوا الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا»، «فَلاَ تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ»، «احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا».
بكل هذه التأكيدات تبين لهم الأمر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نصر الله المسلمين أول الأمر، أخذ فريق من الرماة يَقُولُونَ: «الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ عَهِدَ إِليَّ النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَبْرَحُوا. فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ»( جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: غزوة أحد، رقم (4043).
4- قوله تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ) قَالَ عَبْد اللهَ بْن مَسْعُود رضي الله عنه «مَا كُنْت أَرَى أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة يَوْمَ أُحُدٍ: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَةِ)»( فتح الباري- عند شرح باب غزوة أحد من كتاب المغازي).